تعرف على مدينتي تارودانت

Taroudant 3

 

 



1- ملامح العصر القديم

 

لا يمكننا، في غياب البحث الأركيولوجي، أن نحدد تاريخا معينا لتأسيس مدينة تارودانت، لكن مع ذلك باستطاعتنا أن نجزم بأنها من أقدم حواضر المغرب. حيث نجد من الباحثين من أرجع تاريخ تأسيسها إلى ما قبل الإسلام، بل إلى ما قبل الميلاد، وحصره آخرون خلال فترة الاحتلال الروماني لشمال إفريقيا، أي مابين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الخامس الميلادي. ويمكن الركون في هذا الباب إلى بعض الإجتهادات التي تجعل هذا التأسيس معاصرا للوجود الفنيقي/ القرطاجي بإفريقيا الشمالية، أو ربما سابقا عليه. فقد شمل النفوذ التجاري الفنيقي/ القرطاجي عددا من المراكز بالساحل السوسي، وامتد هذا النشاط إلى عدد من المراكز الداخلية، والتي من المرجح أن تكون لتارودانت ضمنها مشاركة ما في هذه التجارة، خاصة وأنها تقع وسط سهل سوس، وعندها تلتقي الطرق الرابطة بين شمال الأطلس والصحراء.
ومهما يكن من اختلاف بين الباحثين في تاريخ التأسيس، فإن نوعا من الإجماع حاصل حول كون المدينة من تأسيس أمراء قبائل هشتوكة وجزولة ، وهي الرواية التي  
أوردها أبو القاسم الَّزياني، ولاقت استحسانا وقبولا من طرف الباحثين المتخصصين في تاريخ المدينة نظرا لما يدعمها من قرائن تاريخية.


هكذا، إذن، ظلت تارودانت ، ولقرون عديدة قبل وصول كتائب الفتح الإسلامي، عاصمة لأمراء هشتوكة وجزولة، ومحورا يستقطب النشاط السياسي والتجاري للقبائل السوسية. وهذه الأدوار لا نعلم  الشيء الكثيرعن تفاصيلها بسبب غياب التدوين خلال هذه المرحلة من تاريخ المدينة، وهو غياب يجد مبرراته في عوامل كثيرة يمكن أن نورد من ضمنها،

عدم انتشار الكتابات الأمازيغية على نطاق واسع،
اقتصار اتصالات التجار الفنيقيين والقرطاجيين على المراكز الساحلية،
عدم وصول نفوذ الرومان المباشر إلى ما وراء خط "الليمس" جنوبا..
وهي عوامل ساهمت في حرماننا من توفر أية مصادر معاصرة لهذه المرحلة من تاريخ تارودانت القديم. وقد تكرس هذا الوضع كذلك حتى بعد الفتح الإسلامي، حيث أحجم المؤرخون المسلمون عن الخوض في أخبار المراحل السابقة على الإسلام لأسباب سياسية ودينية. هكذا، وأمام الغياب المطلق للتنقيب الأثري، فإن ذاكرة تارودانت  لا تبتدئ إلا مع وصول جيوش الفاتحين العرب بقيادة عقبة بن نافع الفهري.